بقلم / محمد أبوعزت
سبحان مُغير الاحوال ، يغير ولا يتغير ، يعطي ويمنع ، يُمهل ولا يُهمل ، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه ، بعد حياة الترف والجاه والنفوذ والسلطان الى حياة البؤس والشقاء والفقر والحرمان من حياة القصور الى شبه القبور ، ومن الاحياء الراقية الى الاحياء النائية ، من الابراج العالية الى حياة ارض ارض مع حطام بشر وشبه حياة كمواطن عادي وكلنا مواطنون لا ك ....
بعد نعيم مقيم دام لاكثر من ثلاثين عاماً آن الآوان ليذوق من اذاق شعبه - مع اسرته - ويلات الجوع والفقر والمعاناه والحرمان والامراض والاوبئة بين ضجيج السيارات واصوات الناس في الشوارع والطرقات يستيقظ ، وعلى أنغام الذباب والحشرات ولهيب القاهرة الساهرة صيفاً ينام .
التاريخ : 2011/2/12 م
الزمان : 8 صباحاً
المكان : خربيتها
الحدث : في احدى الاحياء الشعبية جداً توجد عمارة سكنية - استغفر الله بل هى مقبرة بشرية - عفا عنها الزمن في طابقها الاول - أرض أرض - يعيش هنا الرئيس السابق ( أبو العيال ) مع اسرته البسيطة المتواضعة المكونة من زوجته ( أم العيال ) ونجليه الابن الاكبر وزوجته وطفل صغير بالاضافة الى الابن الاصغر وزوجته وابنته الرضيعة ، كل هؤلاء يسكنون شقة مكونة من صالة 2متر × 150سم وطرقة صغيرة طولها 1متر × 50سم ومطبخ مساحته 150سم × 150سم وحمام لا يزيد ولا ينقص عنه بالاضافة الى اثاث أكل عليه الدهر وشرب وغرفتين فقط احداهما ل ابو العيال وام العيال والاخرى للعيال وزوجتيهما وابنائهما مساحة كلا منهما 2 متر × 3 متر ..
ام العيال : يا راجل اصحى بقى حتفضل نايم لحد امتى ؟
ابو العيال : ايه .. خير .. في ايه ع الصبح
ام العيال : صحى النوم يا جملي بقينا الظهر
ابو العيال : ايه .. الظهر وسيبتوني نايم ليه لحد دلوقتي اتأخرت ع الرياسة الله يخرب بيوتكم .. الله يخرب بيوتكم .
ام العيال : رياسة ايه يا حسرة .. قوم فز اصحى وصحِّى ولادك العواطلية اللى زيك ، حتقضوها نوم في البيت لا شُغلة ولا مشغلة
ابو العيال : اصطبحى وقولى يا صبح احسن عليا ....
ثم تجهش ام العيال في البكاء والنحيب على حظها .... وتنهمر دموعها على وجنتيها كالمطر .. وهكذا .....
ابو العيال : والبهوات صحيوا ولا لسه نايمين لحد دلوقتي ؟
ام العيال : عندك روح صحيهم جتك داهية فيهم
حسني : تنام عليهم حيطه البُعاد هما السبب في كل المصايب والبلاوي اللى احنا فيها
* ثم يتوجه ابو العيال الى غرفة العيال في شقته المتواضعة والتي تفصلها ستارة من القماش - الكستور - الى غرفتين احداهما للابن الاكبر وزوجته وطفله والاخرى للابن الاصغر وزوجته وطفلته .... ولا اراكم الله مكروة في عزيز لديكم ، وفي طريقه الى الغرفة الاخرى التى لاتبعد قليلا عن غرفته يرى ابو العيال زوجتى العيال وقد استيقظتا مُبكرتين لقضاء شؤون وحاجات المنزل احداهما في المطبخ لاعداد طعام الافطار والمكون عادة من ( فول + طعميه + بصل + خبز + كُرّات ) والاخرى تقوم بنظافة المنزل من كنس ومسح وخلافه وهنا يهمهم ويطأطأ ابو العيال برأسه قائلاً بابتسامته المرسومة على شفتي وجهه العبوس القمطرير قائلاً
ابو العيال : صباح الخير يا بنات ... البهوات لسه نايمين لحد دلوقتي مش صحيوا ؟
* وبصوت واحد وبلهجة حادة يشوبها الحنق والسخط والغضب وعدم الرضا .... ايوه ياعمي لسه ... ويتوجه ابو العيال والشيطان على كتفه - والعفاريت تطنط قام وجهه - ضارباً باب الغرفة بقدمه فيستيقظ الابن الاكبر مفزوعاً - يا حبة عيني -
الابن الاكبر : ايه ... في ايه يا بابا ؟
ابو العيال : لسه نايمين لحد دلوقتي يا شوية صِّيع انت واللوح اللى نايم هناك ده .. بدل ما تنام في البيت للظهر يا خويا قوم دور على شغل وصحى اللوح ده يجيب الخبز - العيش يعنى - بدل أمكم الغلبانة اللى ظهرها انحنى على ماكينة الخياطة .. جتكم القرف مليتوا البلد .
* ونظراً لان الابن الاصغر لم توقظه ركلة ابيه للباب ولا تأنيبه لاخيه الاكبر- ولا حتى بالطبل البلدي - توجه ابو العيال الى سريره في الجهة المقابلة فوجده متوسداً حذائه وغارقاً في احلامه الوردية
ابو العيال : طخ .. طيخ - بالقلم على وجه الابن الاصغر -
الابن الاصغر : آه ... ايه ... في ايه يا دادي
ابو العيال : دادي يا فاشل قوم قامت قيامتك .. قوم ياوش المصايب ... نايم نامت عليك حيطه يا خويا
الابن الاصغر : وانا اعمل ايه بس يا دادي ؟
ابو العيال : لو كنت جامد زي الراجل اللى ورا عمر سليمان مكنشي حصل اللى حصل .. قوم فز ودِّي العيال المدرسة وعدي على الفرن هات الخبز - العيش - وفي طريقك بالمرة تروح تجيب الدواء بتاعي من التأمين الصحي وتغير انبوبة البوتاجاز وتجيب جاز عشان الكهرباء لو قطعت انت فاهم ؟
الابن الاصغر : فاهم ... كل يوم طوابير طوابير دى عيشه تقرف
ابو العيال : بتقول حاجة ياض
الابن الاصغر : لا .... استعنا على الشقى بالله
* وهكذا سيناريو كل يوم من يوميات رئيس سابق ع المعاش في بيته المتواضع جدا وحياته البدائية مع اسرته وهذه هى الحياه وليكن شعارنا جميعاً من اليوم فصاعداً ( يا نعيش كلنا عيشة فُل يا .... احنا الكُل ) ، وبعد تناول الافطار كل الى عمله :
ام العيال : على ماكينة الخياطة لتوفير احتياجات ولوازم المنزل وتوفير جزء من الايجار وفاتورة الماء والكهرباء والصرف الصحي والضرائب و........................الخ .
زوجتي العيال : احداهما في المطبخ والاخرى في النظافة .
الابن الاصغر : في طوابيره اليومية المعتادة ومعاناة كل يوم ( طابور الحمام وانقطاع المياة ، طابور الخبز ، طابور التأمين الصحي ، طابور الجمعية الاستهلاكية ، طابور انبوبة البوتاجاز، طابور عم عبده بتاع الجاز ) .
الابن الاكبر : طابور البحث عن وظيفة في بلد 60 مليون عاطل وصراع اتوبيسات المحافظة ولهيب شوارع القاهرة الساعة 2 ظهراً املاً في وظيفة - بالتعاقد في شركة او مدرسة - .
ابو العيال : على قهوة الناصية مع بعض المهمشين والبسطاء بين فنجان القهوه والدومينوز والطاولة ... وتستمرالحياه بين ابتسامه وآه ، فيها اللى تاه في دجاه واللى ضميره هداه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق