بقلم/ محمد ابوعزت
أبطال تاهت ذكراهم في طي النسيان سطروا بمواقفهم البطولية وارواحهم الشجاعة وحسهم الوطني المرهف ابرز المواقف و أجل البطولات وسجلوها بحروف من نور في صفحات التاريخ المشرقة ، قد يجهلهم البعض وقد يغفلهم البعض الاخر ، ولكن مافعلوه من اجلنا يجعلنا الان نرفع هاماتنا الى عنان السماء لنباهي بهم الامم والشعوب ، لقد آن الاوان لنتصالح مع انفسنا اولاً ثم مع رموزنا ونزيل الغبار ونكشف الستار على سيرتهم العطرة المشرقة لتخرج على الناس في ابهى حُله كالبدر في كبد السماء مرسلاً اشعته في وجه الظلام البهيم الأعتم الذي عشناه وعانيناه لسنوات عجاف طوال .
البطل / سليمان خاطر |
بطل اليوم لم يكن لاحد ان يعرفه لولا مافعله في اواخر ايام خدمته في سيناء حيث قتل سبعة اسرائيليين - من عملاء وجواسيس الموساد الصهيوني - على الحدود المصرية ارادوا التسلل والدخول الى الاراضي المصرية كما تدخلت حكوماتهم في سياساتنا وشـؤوننا ، لقـب ب( بطل سيناء ) او ( شهيد التطبيع ) الذي دفع حياته ثمناً لوطنيته وعروبته وشجاعته .
* ثأر لاسرى 1967 م الذين قتلوا بايادي الغدر الصهيونية .
* ثأر لشهداء مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة الابرياء .
* ثأر لدينه ووطنه ورجولته ووطنيته وعروبته .
* كتب بدماء هؤلاء الصهاينة الجبناء اعظم ملحمة وطنية على رمال سيناء الحبيبة .
* طبعت ايران صورته على طابع بريد وطبع المصريون صورته في قلوبهم وعقولهم .
* رحل عن دنيانا بشكل غامض مثير للشك والتساؤل .
طابع بريد ايراني يحمل صورة البطل سليمان خاطر |
* قالوا انتحر شنقا ، فقلنا قتل غدرا ، فقال الشارع المصري هاتفا باسمه ومخلدا ذكراه العطرة بعد وفاته :
سيبوا الشعب ياخد التار الصهيوني ده غدار
المعقول المعقول سليمان خاطر مات مقتول
سليمان خاطر قالها في سينا قال احلامنا وقال امانينا
سليمان خاطر ياشرقاوي دمك فينا حيفضل راوي
سليمان خاطر قالها قوية الرصاص حل قضية
سليمان خاطر مات مقتول مات علشان مقدرش يخون
فرد التاريخ قائلاً : { حياة الشجاع في موته وموت الجبان في حياته } .
سليمان محمد عبدالحميد خاطر من مواليد عام 1961 م في قرية ( اكياد ) مركز فاقوس محافظة الشرقية المصرية وهو اخر عنقود اسرته الريفية البسيطة المكونة من ولدين وبنتين قبل سليمان - يرحمه الله - .
في الثامن من ابريل في عام 1970 م قام جبناء سلاح الجو الصهيوني بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بمركز الحسينية محافظة الشرقية باستخدم طائرات ( الفانتوم الامريكية ) مخلفين ورائهم 30 شهيدا من الاطفال الابرياء ومئات الجرحى ولم يكن لطفل عمره 9 سنوات المقدرة على تحمل ما رأت عيناه من بشاعة المنظر وغدرالعدو ودمويته فمنذ تلك اللحظة تشكلت في مخيلته صورة عدوة القاتمه ووجهه القبيح واقسم بينه وبين نفسه بالثأر من هؤلاء المجرمين الجبناء يوما ما فساقته الاقدار في طريق عدوه وساقت عدوه في طريقه وكأنها يد الله التى تعمل في الخفاء .
التحق سليمان خاطر مثل غيره من ابناء وطنه بالخدمة العسكرية الاجبارية ولكونه لم يكمل تعليمه واكتفى بشهادة الثانوية نظروا لظروف اسرته تم تجنيده ضمن قوات الامن المركزي المصري التابعة لوزارة الداخلية ، وفي الخامس من اكتوبر عام 1985 م واثناء تأديته لنوبة حراسته المعتادة بمنطقة ( راس برقه او رأس برجه ) في جنوب سيناء بالقرب من المنطقة الحدودية بين مصر ودولة الكيان الصهيوني بعد غروب شمس ذلك اليوم فوجئ بمجموعة من السياح الصهاينة - هكذا قالوا لنا ولكن الحقيقة انهم لم يكونوا سياح بل كانوا مجموعة من عملاء وجواسيس الموساد الصهيوني - يحاولون تسلق الهضبة التى تقع عليها نقطة حراسته التى تحوي اجهزة حساسة سرية واسلحة خاصة غير مسموح لاي شخص رؤيتها .
حاول البطل المصري منعهم قائلا لهم بالانكليزية STOP NO PASSING فيما معناه انه ممنوع العبور من هذه المنطقة الحساسة فسخروا منه وتجاهلوه ولم يستجيبوا له وواصلوا صعودهم باتجاه نقطة حراسته فلم يكن امامه من خيار سوي تنفيذ الاوامر العسكرية في التعامل مع مثل هذه الحالات باطلاق الرصاص في الهواء اولا فلم يستجيبوا لنداءاته او تحذيراته فوجه سليمان سلاحه صوبهم فقتل منهم سبعة صهاينة ثأراً وانتقاماً لابرياء قتلوا بيد الغدر الصهيونية دون شفقة او رحمة او انسانية واستجابة لاستغاثات رجولته ووطنيته وعروبته التى أبت لهذه الامه الخنوع والركوع والمذله لغير باريها .
البطل / سلمان خاطر اثناء التحقيق معه |
سلم سليمان نفسه وسلاحه بعدما اعترف امام قادته العسكريين بما فعل وبدلاً من مكافئته على تفانيه ووطنيته واخلاصه في اداء واجبه صدر قرارا جمهوريا من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك مستغلا قانون الطوارئ المعمول به في البلاد بتحويل البطل المصري الى محاكمة عسكرية بدلا من محاكمته محاكمة مدنية كما هو الحال مع رجل الشرطة ضمن نصوص القانون ، واضعا شرعية الدستور المصري تحت حذائه ومخافا للقانون والدستور ليكون الحُكم اغلظ وغير قابل للنقاش .
طعن محامي سليمان خاطر في صحة القرار الجمهوري الصادر عن الفرعون المصري الغير قابل كلامه او قراراته للنقاش وطلب محاكمته امام محكمة مدنية وتم رفض الطعن بكل تعنت دون سبب او مبرر حقيقي وكأن سليمان ارتكب جُرماً لا يغتفر ولا مفر من القصاص منه او تقديمه كبش فداء .
شنت وسائل الاعلام والصحافة الحكومية - الملاكي - هجوما شديدا على البطل المصري وحاولت بكل ما اؤتيت من قوة تشويه صورته امام الاعلام والرأى العام وقاد الحملة مكرم محمد احمد - نقيب الصحفيين السابق في مصر - الذي وصف سليمان خاطر بالمجنون وأنا اقول ان كان من الجنون أن تثأر لدينك وعروبتك ووطنيتك فأنا رئيس جمهورية المجانين .
وقال احد الاطباء النفسيين الحكوميين ان سليمان خاطر مريض نفسي ومختل نوعاً ما والسبب في ذلك ان الظلام كان يحول مخاوفه الى اشكالا اسطورية خرافية مُرعبة تجعله يقفز من على الفراش وكان الظلام يصور له الاشباح تعيش في قاع الترعة وانها تخبط الماء بقوة في الليل وهي في طريقها اليه وهذه الاشباح الذي تخيفه في الظلام بالطبع اسمها صهيونية .
على الجانب الاخر قادت صحف المعارضة حملة صحفية مضادة من أجل محاكمته امام محكمة الجنايات بدلا من المحكمة العسكرية وللاسف الشديد لم تجد نداءات والتماسات واستغاثات وندوات ومؤتمرات اذناً صاغية لدى الرئيس الراحل حسني مبارك وهذا ليس امراً غريبا عليه .
وأثناء التحقيقات معه قال للمحققين بالحرف الواحد { اُمال قولتوا ممنوع ليه كنتوا قولوا لنا نسيبهم واحنا نسيبهم وخلاص اي واحده تعري نفسها لنا نسيبها تعدي } في اشارة منه الى قصة جندى زميل له تحايلت عليه مجندة صهيونية بالعري فدخلت معه الى نقطة خدمته الحساسة وحصلت على ترددات الاشارة الخاصة بالامن المركزي بعدما سرقت سلاحه ايضا .
سأله المحقق لماذا يصر على تعمير سلاحه ؟ فرد سليمان قائلا :
{ الله يسامح اللى علمها لى اصل اللى يحب سلاحه يحب وطنه واللى يهمل سلاحه يهمل وطنه } .
سأله المحقق ايضا عن مبرر حفظه لرقم سلاحه ؟
فرد سليمان قائلا :
فرد سليمان قائلا :
{ لاني أحب سلاحي زى كلمة مصر تماما }.
وعندما سأله احد السجناء في السجن بتفكر في ايه يا سليمان ؟
فرد قائلا بكلمات ورب الكعبة تكتب بماء العيون على صفحات القلوب قال :
{ بفكر في مصر امي اتصورها امراة طيبة مثل امي تتعب وتعمل مثلها واقولها يا امي انا ابن من ابنائك المخلصين من ترابك ودمي من نيلك وحين ابكي اتخيلها تجلس بجانبي مثل امي في البيت في كل اجازة تاخذ راسي في حضنها و تضمني الى صدرها الدافئ الحنون وتقول لا تبكي ياسليمان انت فعلت كل ما انتظره منك يابني }.
واثناء محاكمته رأي امه تبكي وهو في قفصه فقال لها : { لا تبكي يا امي لا يمكن حسني مبارك وابوغزاله يسيبوني في السجن..... أنا لا اخشى الموت انه قضاء الله وقدره ولكنى اخشى ما اخشاه ان يكون للحكم الصادر ضدي أثار سيئة على نفوس زملائي تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم } .
وبعد محاكمته عسكريا صدر الحكم في 28 ديسمبر 1985 م بالاشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عام بتهمة القتل العمد فصرخ سليمان في قفصه قائلا : { هذا الحكم هو حكم ضد مصر فأنا جندي مصري ادى واجبه وقال للجنود الذين يحرسونه في القفص روحوا احرسوا سيناء سليمان خلاص مش عاوز حراسة } .
وتم ترحيله الى السجن الحربي بمدينة نصر ومنه الى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا ليتم عرض الفصل الاخير من المسرحية هناك ويقوم وفد اعلامي صهيوني بزيارته بحجة عمل لقاء صحفي مع البطل المصري قبل وفاته بايام وكأنها بروفة اخيرة للمسرحية قبل عرضها في السابع من يناير 1986 م حيث أعلنت الاذاعة المصرية ونشرت الصحف المحلية خبر انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة .
وقال تقرير الطب الشرعي ان سليمان انتحر وهو ما نفاه شقيق سليمان قائلا : { لقد ربيت سليمان اخي جيدا واعرف مدى تدينه وايمانه الشديدين بالله ولا يمكن ان ينتحر كيف ينتحر وقد طلب منى قبل موته بايام بدله صوف وكتب القانون وفرشاة اسنان لانه كان ينوي استكمال دراسته في سجنه فهل يعقل ان ينتحر ويشنق نفسه على نافذة ترتفع عن الارض ثلاثة امتار }
ويقول شاهد عيان للجثة { ان الانتحار ليس هو الاحتمال الوحيد وان الجثة كان بها اثار خنق بالة تشبه السلك الرفيع على الرقبة وكدمات على الساق تشبه اثار ضرب او جرجره وتكسير لاظافره مما يوحي بأنه كان يقاوم من اجل الحياة لا الانتحار } .
قال البيان الرسمي ان الانتحار تم بمشمع الفراش ، وقالت مجلة المصور المصرية ان الانتحار تم بملاءة السرير ، وقال الطب الشرعي ان الانتحار تم بقطعة قماش ، وامام كل ما قيل ازدادت الشكوك والتكهنات حول موت البطل المصري وتقدمت اسرته بطلب الى الجهات العليا والمختصة لاعادة تشريح الجثة لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة وكيف تمت .
وتم رفض الطلب مما أكد الشكوك وصار القتل سيناريو اقرب من الانتحار وقالت والدة الشهيد - باذن الله -:
{ ابني اتقتل عشان ترضى عنهم امريكا واسرائيل } .
وما أن انتشر خبر وفاته حتى خرجت التظاهرات من جامعات القاهرة وعين شمس والازهر والمنصورة والزقازيق وطلاب المدارس الثانوية منددين بمقتل البطل المصري سليمان خاطر وردا على ذلك قام النظام المصري المخلوع بدفع تعويضات مالية لاسر القتلى الصهاينة من قوت الشعب المصري المكلوم على قتل ابنائه غدرا بيد دراكولات - مصاصي الدماء - الكيان الصهيوني وجنرالاته الذين خرجوا في كل صوب وحدب بالفخر والتباهي بما فعلوه من جرائم ضد الانسانية مع اسرانا بعد وكسة عام 1967 م بدلاً من خروجهم علينا ولو بكلمة اعتذار ، وهو الملف الذي تعفن في ادراج الخارجية المصرية لسنوات طويلة حتى فاحت رائحته النتنه فهل آن الاوان لخروجه الى النور وفتحه مرة اخري ايماناً بمبدأ ( يا صهيوني يا خسيس الدم المصري مش رخيص ) .
ودفن البطل المصري في بلدته كياد بمحافظة الشرقية وتحول الى رمز من رموز مقاومة التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني وتضامن مع اسرته رموز الحركة الوطنية والثقافية في مصر من كل الاطياف والقوى الموجودة من ساسه ومثقفين وفنانين وكتاب وصحفيين ونشطاء ومعارضين ... الخ وتحول منزل اسرته الريفي البسيط الى ملتقى لهؤلاء جميعا وحفر اهل بلدته الصغيرة اسمه في قلوبهم كشهيد دافع عن تراب وطنه ودينه وعروبته قبل ان يحفروه على نُصب تذكاري يحمل اسماء شهداء ابناء القرية الذين سبقوه الى جنات النعيم بأذن رب العالمين .
وبعد رحيل البطل الشرقاوي عن دنيانا بسنوات شاع بين اهل قريته ان دولة الكيان الصهيوني تخطط لنسف قبر سليمان خاطر وخطف جثمانه فقام ابناء قريته ببناء مقبرة تليق بمكانة الشهيد في قلوبهم وقلب كل مصري عربي وصارت مزارا ليس لاسرة سليمان خاطر فحسب بل لكل مقاومي التطبيع والمقتنعين بان دولة الكيان الصهيوني كانت وستستمر العدو رقم واحد للعرب والمسلمين بوجه عام والمصريين على وجه الخصوص وأن المعركة لم تنتهي بعد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق