اين عقلي ؟!

بقلم / محمد ابوعزت

مما لا ريب فيه أن العقلية العربية تتعرض لعملية قرصنة ، غزو من نوع خاص الا وهو الغزو الاعلامي الذي لايقل خطراً  في مضمونه واهدافه عن الغزو الاقتصادي الذي بدأ بالفعل ، وقديماً قالوا : { من لا يملك قوته لايملك حريته } .
 ورحم الله الامام محمد متولي الشعراوي حين قال : { لن تكون الكلمة من الرأس حتى تكون اللقمة من الفأس } فكيف يمكن لأُمه ان تحارب عدوها بسلاحه  .

وغزو عسكري محتمل على الابواب يرابط على مشارف المنطقة العربية كما يرابط الغزو الاعلامي على مداخل العقول العربية بدأت بشائره تظهر في ظل اصرار الاخر على سياسة استعراض العضلات العسكرية والبلطجة في منطقتنا العربية بشكل او باخر ، في الوقت الذي وقفت فيه العقلية العربية ضحية لغزو صليبي منظم تكاملت اركانه وعلى الجانب الاخر وقف صناع القرار العربي موقف المتفرج لاحول لهم ولا طول .

والسؤال الأهم هنا هل العقلية العربية مهيئة او مدربة ولديها من الوعي والأدوات ما يمكنها من مواجهة مثل هذه التحديات أم ستكون صيداً سهلاً وفريسة يسهل اصطيادها ؟

للاسف الشديد فشل صناع القرار في خلق جو من الديمقراطية والحرية والشفافية وفرضوا على العقلية العربية التجهيل والتعتيم والتهميش والسطحية ولا عجب من اتهام بعضهم للعقلية العربية على وجه الخصوص والشعوب العربية على وجه العموم بأنها غير مهيأة لحياة ديمقراطية فهل نحن كذلك ام .. ؟ 

واذا كان الامر كذلك فما دور صناع القرار الذين ارهقوا كاهلنا وصدّعوا رؤوسنا على مدى سنوات طوال من الحديث عن الحريات والديمقراطية الزائفة والشعارات الكاذبة ؟

 وهل بالفعل كان العقل العربي ضحية خديعة بالماضي ومؤامرة بالحاضر ويعلم الله الغيب في مستقبل مجهول اخفاه جل في علاه وراء استاره لا أحد يعلمه سواه ؟

  تلك العقلية العربية التى فقدت الثقة فيهم فلجأت الى الاخر لعلها تجد عنده ضالتها فوجدت عدواً يفتح احضانه اليها بعدما فشل في استقطابها الى بلاطه لتنهل من بئر سمومه ومعتقداته وافكاره ومبادئه الفاسدة ما تشاء دون وعي او تمميز بين ماهو صالح وما هو طالح ك ( قروي ساذج ابهرته أضواء المدينة فانحرف ) مبهوراً بما يراه او يسمعه او يقرأه مانحاً عقله اجازة مفتوحة عن التفكير او التدبر او الوعي او القياس .

ومن هنا يمكن أن نقول أن اركان المؤامرة قد اكتملت وبدأ الغزو الاعلامي للعقل العربي يسير بخطى سريعة على خط متوازي مع الغزو الاقتصادي تمهيداً للغزو العسكري الذي سيولد بعد عملية غسيل مخ قيصرية للعقلية العربية في ثوب غربي غريب بعد طمس هويتها العربية وتنصلها من ثقافتها وقيمها ومعتقداتها الاسلامية التى فطرها الله عليها بما يتناسب مع سياسات الاخر وتطلعاته لها في زمن العولمة .

ولكل غزو رجاله وآلياته بما يحقق الهدف المنشود ، ومن هذه الاليات التى وجهها الاخر في وجه العقلية العربية المحطات الفضائية المنتسبة للعربية بعد أن أدت نظيرتها الغربية مهمتها على أكمل وجه في عصر الانفتاح بلا حدود على الاخر عصر العولمة وجعل العالم قرية صغيرة ومحاولة جعل العقلية العربية خادمة لهذا المشروع لا معادية له  .

 ويلعب هذا الاعلام المأجور من وجهة نظري او المُوجّه من وجهة نظر الكثيرين على العقلية العربية لاعادة تشكيلها وبناء معتقداتها وافكارها في الوقت الذي فقدت فيه الثقة في اعلامها الهش الحكومي الذي فشل في احترام عقليتها ففقد احترامه لديها وللاسف ذهب العقل العربي على ابواب الغير يتسول المعرفة ويبحث عن الحقائق فوجد الاخر في انتظاره بايديولجية جديدة بوجه عربي وفكر غربي - أعلام عربي موجّه - لاعادة بناء وتشكيل العقلية العربية الاسلامية تحديدا على النحو التالى :-

1- تصوير الاخر في صورة الملاك البرئ الذي ينادي بالديمقراطية والحرية والعدل والمساواة في الوقت الذي تلطخت فيه يداه بدماء الابرياء كما هو الحال الان في افغانستان والعراق والسودان والصومال وفلسطين ولبنان .....الخ  وحدث ولاحرج .

2- تصوير الاخر في صورة العملاق الذي لايقهر في صورة تغطية اعلامية او اعمال درامية او سينمائية والتى بدورها تصيب العقلية العربية بالاحباط واليأس والانهزامية ولنا في غزو العراق خير شاهد حينما قامت احدى المحطات الفضائية الاعلامية المنتسبة الى العربية ببث حي لقصف القوات الصليبية الغربية للعراق ومن قبلها افغانستان  تلاها بسنوات قصف القوات الصهيونية لغزة على مرأى ومسمع الجميع بصورة تعكس حقارة الشماته ودناءة المؤامرة .

3- بث سموم الفتن الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية والعنصرية بين ابناء الشعب الواحد كتأجيجها لنيران الفتنه بين الشيعة والسنة في العراق والمسلمين والاقباط في مصر والشمال والجنوب في السودان من خلال سياسة التهويل ( مقتل شخص او عدة اشخاص يتحول الى مجزرة واعتصام اشخاص يتحول الى تظاهرة حاشدة ) او اذاعة الاخبار المغلوطة ونشر الوثائق الحساسة كالتى نشرتها عن تورط قادة حركة فتح في حرب غزة الاخيرة وتحريضهم على تصفية حركة حماس وغيرها وغيرها .

4- اللهو الخفي ومحاولة اهدار الاوقات والطاقات وتعطيل العقلية العربية عن مهامها الاساسية وتحويل مسارها عن الفطرة التى خلقها الله من اجلها الا وهى العبادة والخلافة وعمارة الارض الى ماهو ابعد من ذلك بكثير .

والى جانب المحطات الفضائية على وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقرؤة انطلقت المواقع الاباحية الغربية على الشبكة العنكبوتية في محاولة قذرة لغزو العقل العربي بذاك الفيروس الخطير الذي انتشر واستفحل في محاولة لاخراج العقلية العربية من اطار الاخلاق والمبادئ والقيم الدينية السامية التى فطر الله الناس عليها و جعلها اسيرة لاتمتلك حريتها .

وعلى نفس الخط البياني لعبت مواقع التواصل الاجتماعي ( تويتر ، فيس بوك ، جوجل ، ياهو ..... الخ )  دورا لايقل خطورة عن سابقيها في محاولة لاحكام السيطرة وتضييق الخناق على العقلية العربية واعادة تشكيلها بما يتناسب مع سياسات الاخر وتطلعاته ولتضع الرتوش النهائية على الصورة المفترضة للعقلية العربية في ضوء المتغيرات والاحداث .

وبفضل الله لم يسقط الكثيرون في هذا المستنقع القذر بل تنبه الكثيرون الى المخطط وكشفوا المؤامرة بفطرتهم السليمه وفراستهم الايمانية واخذوا الزُبَد وطرحوا الزَبَد { فأما الزَبَدُ فيذهبُ جفاءً وأما ماينفعُ الناسَ فيمكثُ في الارض } وجعلوا من الليمون المر شراباً لذيذاً حاول الاخر استغلالهم فاستغلوه وولعب على عقولهم ففجاؤه بوعي منقطع النظير وادهشوا العالم بثوراتهم في تونس ومصر وليبيا واليمن .... والبقية تاتي  حاول قطف ثمار جهدهم فمنعوه حاول اللعب على مشاعرهم فتجاهلوه ناداهم فلم يجيبوه ، وهذا هو الدور المنتظر منهم لتوعية وانقاذ من سقط في هذا المستنقع العميق من اخوانهم بلا وعي وركبوا موجة التغيير الذي يستهدف الهوية العربية والعقل العربي على وجه التحديد ، في محاولة اعادة التجربة التركية - التى حولت تركيا الاسلامية الى دولة علمانية بلا هوية - مرة اخرى ولكن بشكل اخر حتى تصير العقلية العربية والاسلامية بلا هوية لاهى بقت على فطرتها وعروبتها ولاهي وصلت الى ما تمنت الوصول اليه { لا ارضاً قطع ولا ظهراً ابقى } ووقفت تائهه في مفترق طرق لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء وبين هذا وذاك اصرخ قائلاً : اين عقلي ؟! .